اللهم صلِّ على سيدنا محمد عدد ما أحاط به علمك
وجرى به قلمك وأحصاه كتابك ووسعته رحمتك
وصلّت عليه ملائكتك وجميع خلقك
وجرى به قلمك وأحصاه كتابك ووسعته رحمتك
وصلّت عليه ملائكتك وجميع خلقك
أعياد بدعية في حياة المسلمين (الشيخ: عبد الرحمن بن سعد الشثري )
الشيخ: عبد الرحمن بن سعد الشثري
28/11/1426 هـ
28/11/1426 هـ
إنَّ من أشدِّ وأخطر ما تساهلَ فيه بعضُ المسلمين إحداثُ أعيادٍ بدعيةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِن سلطان, و( ما مِنْ عيدٍ في الناس, إلاَّ وسببُ وجودِه تنويهٌ بشعائرِ دينٍ, أو موافقة أئمة مذهبٍ, أو شيء مما يُضاهي ذلك)[1] .
ولقد ظهرت في كثير من بلاد المسلمين احتفالاتٌ بأعيادٍ لَمْ تكنْ معروفةً في القرون الْمُفضَّلَة, والمسلمونَ في حاجةٍ لمعرفة حكم هذه النوازل العقَدِيَّة ؟ .
وقد يقولُ قائلٌ: ما فائدةُ مثل هذا المقال وهذه الكتابات بكشف حقيقة ( الأعياد الْمُحدَثة في الإسلام ) وأنَّ ذلك لن يُقدِّم ولَنْ يُؤخِّر إلاَّ أنْ يشاء الله ؟ .
والجوابُ: أنَّ كتابَ الله تعالى, وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلَّم-: قد دلاَّ على أنه لا يزالُ في هذه الأمة طائفةٌ متمسكةٌ بالحقِّ الذي بَعَثَ الله به محمداً- صلى الله عليه وسلَّم- إلى قيام الساعة .
كقوله صلى الله عليه وسلَّم: (( لا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قائمةٌ بأمرِ الله لا يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهُم ولا مَنْ خَالَفَهُمْ , حتَّى يأتِيَهُمْ أمرُ الله وهُم على ذلك )) [2] .
وأنَّ أمته- صلى الله عليه وسلَّم- لا تجتمعُ على ضلالة ؟ .
لحديث ابن عمرَ- رضي الله عنهما- أنَّ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلَّم- قالَ: (( إنَّ الله لا يَجْمَعُ أُمَّتِي- أو قال- أُمَّةَ محمدٍ- صلى الله عليه وسلمَ- على ضَلالَةٍ, وَيَدُ الله على الجَماعةِ )) [3] .
ففي النهي عن الأعيادِ الْمُحدَثةِ تكثيرُ هذه الطائفةِ المنصورةِ, وتثبيتُها, وزيادةُ إيمانها, فنسألُ الله المجيبَ أن يجعلني وإياكم منها .
وأيضاً: لو فُرض أنَّ الناس لا يتركُون هذه الأعياد الْمُحدَثة, لكانَ في العلم بها معرفة القبيح, والإيمان بذلك, فإنَّ نفس العلم والإيمان بما كرهه الله خيرٌ, وإنْ لَمْ يُعمل به, بلْ فائدةُ العلم والإيمان أعظمُ من فائدة مجرَّد العَمَلِ الذي لَمْ يقترن به عِلْمٌ, فإنَّ الإنسان إذا عرَفَ المعروفَ, وأنكرَ المنكرَ: كانَ خيراً مِنْ أنْ يكونَ ميِّتَ القلب, لا يعرفُ معروفاً ولا يُنكر منكراً, ألا ترونَ أنَّ النبيّ- صلى الله عليه وسلم- قال: (( مَنْ رأى منكم مُنكراً فليغيره بيده , فإنْ لَمْ يستطع فبلسانه , فإنْ لَمْ يستطع فبقلبه , وذلكَ أضعفُ الإيمان )) رواه مسلم [4] .
وفي لفظ: قال- صلى الله عليه وسلَّم-: (( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله في أُمَّةٍ قبلِي إلاَّ كانَ له مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وأَصحابٌ يَأخذُونَ بسُنَّتِهِ ويَقتدُونَ بأَمْرِهِ, ثُمَّ إِنَّهَا تَخلُفُ مِن بَعْدهِمِ خُلُوفٌ, يقولونَ مَا لا يفعلونَ, ويَفعلونَ ما لا يُؤمَرُونَ, فمَنْ جاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُْوَ مُؤْمنٌ, ومَنْ جاهَدَهُمْ بلسانهِ فهو مؤمنٌ, ومَنْ جاهدهم بقلبه فهو مؤمنٌ, وليسَ وراءَ ذلكَ مِنَ الإيمانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ )) [5] .
وإنكارُ القلب هو: الإيمانُ بأنَّ هذا منكرٌ, وكراهته لذلك, فإذا حصلَ هذا، كانَ في القلب إيمانٌ, وإذا فَقَدَ القلبُ معرفة هذا المعروف وإنكار هذا المنكر, ارتفعَ هذا الإيمانُ من القلب .
وأيضاً: فقد يستغفرُ الْمُحدِثون لهذه الأعياد الْمُحدَثة مع إصرارهم عليها, أو يأتوا بحسناتٍ تمحوها أو تمحو بعضها, وقد يُقلِّلُون منها, وقد تَضعف همتهم في طلبها إذا عَلِمُوا أنها منكر .
ثمَّ لو فُرضَ أننا علمنا أنَّ الناسَ لا يتركونَ هذه الأعيادَ الْمُحدَثة, لا يعترفونَ بأنها منكرٌ, لَمْ يكن ذلك مانعاً من إبلاغ الرسالة وبيان العلم, بل ذلك لا يُسقطُ وجوبَ الإبلاغ, ولا وجوبَ الأمر والنهي في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد- رحمه الله- وقولِ كثيرٍ من أهل العلم, على أنَّ هذا ليس موضع استقصاء ذلك, ولله الحمد على ما أخبرَ به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من أنه: (( لا تزالُ مِنْ أُمته طائفة ظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله)) .
وليس هذا الكلام من خصائص هذه المسألة, بل هو واردٌ في كلِّ منكرٍ قد أخبرَ الصادقُ- صلى الله عليه وسلم- بوقوعه.
لقد أخبرَ النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- عن وقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة، ومن ذلك: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبيِّ- صلى الله عليه وسلم- قال: (( لا تقومُ الساعةُ حتَّى تأخذَ أُمَّتِي بأخذِ القرون قبلَها شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ, فقيلَ يا رسولَ الله: كفارس والروم, فقال: وَمَنِ الناسُ إلاَّ أولئك )) [6] .
المصدر